وأغيب في حلمي
(( واقع درامي ))
حماقة أخرى ترتكب باسم الحب , بينك وبين الحب دنيا , هذا ما شعرت به حين رفضتني بكل إصرار وترصد , ولكنها لم تبرح ناظريّ وهما وحقيقة , تغيب وتبقى صورتها عالقة بذهني .. أراها بكل زمان ومكان بكل شيء حتى بالورق الذي أدون عليه كتاباتي , أما الحقيقة فإنها ترتاد المكان الذي اعتدت الجلوس به , كأنها تريدني أن أعيش هذا العذاب , لماذا امرأة تحمل كل هذا الجمال تحمل بذات الوقت كل هذه القسوة …
وأخذت أسأل عنها تلك المرأة الغامضة التي حدثني أكثر من صديق عنها بأن أبتعد وأن أسلك مبدأ السلامة حيث أنها " لا تعطي وجه " وزادني هذا إصرارا .. فأخذت على ارتياد المكان مبكرا وانتظر بالساعات علها تأتي وحتما ستأتي ولكن متى ؟
وتجيء تجلس قبالتي وتحدثني عيناها كلاما لم أعتد عليه من قبل , لا زال الصمت المرعب يسكنني .. حتى تلتف حولها صديقاتها ويبدأ الهرج والمرج .. وأغيب أنا في حلمي .. وأحدث أصدقائي من نصحوني بأن اتقي شرها .. فقلت لهم ما حدث اليوم هي من بدأت وأرسلت لي رسالة عبر البلوتوث مرة ثم أخرى ثم توالت الرسائل بواسطة البلوتوث إلي , وأرى بعيون أصدقائي الشك مما قلت لهم .. وأقسمت ولكن لم تزل نظراتهم إلي تعبر عما بداخلهم .
وتمضي الأيام يوم تلو آخر وأنا كما أنا أعيش حالة من التناقض اللذيذ .. أكتب قصيدة بالصباح وأمزقها بالعشية , وأشعر نفسي ساذجا بالنهار وزيرا بالليل .. ثم كثير من التساؤلات التي بدأت تعصف بي .. لماذا بادرتني دون سواي بإرسال الرسائل عن طريق هاتفها النقال , ثم لماذا أنا رغم من أجلس معهم يفوقونني شهرة ومالا .. وحتى وسامة , وأطرد عني خيالها للحظات حيث أنهمك بالكتابة .. ماذا سأكتب .. أي سيناريو هذا الذي يأتي وأنا مغيّب عن الوعي ..
وأقع بدائرة الصراع .. لا مفر من المواجهة هذا هو القرار الذي توصلت إليه بعد كر وفر مع النفس .. ولكن ماذا لو .. وهنا كثرت التساؤلات بين محفّز ومتردد ..
وتجيء .. تقدم من بعيد لن أصفها ربما مهما كتبت سيظن قارئي بأنه تحيّز .. فعلا انه تحيّز للجمال أي أنوثة بل أي أناقة .. هل رأيت عبر سنوات العمر الممتدة بمثل جمالها أو نصفه أو ربعه …
حتما سأغيض بك النساء قبل الرجال ..سيحسدونني عليك .. وأحسدهم لأنهم شاركوني بالنظر لك ..
وعلى بضعة خطوات تستدير .. تدخل محلاّ للهدايا والكماليات .. وأنا بمكاني كالمسمار .. أتقدم كي أرى .. أجر خطواتي ..تحين مني التفاتة لأراها بحديث باسم مع رجل يفوقها بالعمر مرتين على أقل تقدير .. فركت بكلتي يدي عينيّ لأتأكد مما أرى .. لم يكن حلما .. خرجت تحمل كيسين ..يخرج خلفها , تلوح له بيدها مودعة إياه, تعلو وجه كل منهما ابتسامة ..يخرج هاتفه النقال .. يطلب رقمها .. وهو ينظر خلفها ولكنها لا تستجيب ..يكرر .. لا جدوى ..ينظر خلفها بيأس ..يهز رأسه يمينا وشمالا ويسير باتجاه آخر ..وتغيب بالأفق الممتد .. وتغيب من الذاكرة ..
عدت لمكاني حملت أوراقي ورحلت ..
لا تدري هذه الغبية بأن كل ما فعلته وما ستفعله مفيد لي حيث سأخط هذه السطور , فلولا ما كان منها لما كتبت , كم هي لذيذة بقسوتها بتمردها بجنونها حتى بسذاجتها كانت تصرخ بملء فمها ماذا تريد ثم ماذا بعد ولما كان اليوم التالي : تجيء مرة أخرى بقصد أم دون قصد_الله اعلم بالنيات _ وشاءت الصدف أن تكون فتاة أخرى تحدثني ببراءة عن صديق دائم التواجد معي ولكنه لظروف خاصة غاب ليومين متتاليين . وما إن رأت الموقف حتى غادرت المكان مسرعة فما كان إلا ان تبعتها لا أدري ماذا انتابني تلك اللحظة أي جنون افعل بل أي قرار اتخذت .. فما ان وصلت الأسانسير تهم بالنزول حتى ألقيت بنفسي الى الاسانسير سلمت وردت بخجل ثم بادرتها : أريد ان أحدثك , لم الأحرى بك ان تكمل حديثك وإياها . ثم فاجأتني بأمور أخرى , لقد سألت عنك وكلهن قلن لي بأنك تحدث هذه وتلك و و و .. ولا أدري من أين حصلت على هذه المعلومة المغلوطة حتما . حاولت ان افهمها بأن الذي سمعته عار عن الصحة ويتنافى وسلوكي و و و ولكن .. تركت المكان وسارت مسرعة .. وقد لاحظت أنها تسير دون ان تقصد جهة معينة .. بادرتها من الخلف : هل لي ان أحدثك لدقيقتين , ولما رأت إصراري أجابت : دقيقة واحدة لا سواها .. هو كذلك . تحدثنا مليا وامتدت الدقيقة الى عشر دقائق دون ان نتوصل الى نتيجة حيث رفضتني رفضا قاطعا . هل تعلمين ماذا فعلت , ماذا , أنا كمن تسلق الهمالايا وما ان وصلت قمة أيفر ست حتى دفعتي بي والقيتيني من هناك .. , مشكلتك , وانصرفت بعدما أبديت لها أسفي و أقسمت ألا ارتاد المكان ثانية ولكن لم استطع بل على العكس كنت انتظر متى يحين اليوم التالي حتى أجيء الى هذا المكان الذي أصبحت احبه كثيرا .. وتجيء باليوم التالي وتتجاهلني تماما .. واصبح حديث الأصدقاء يتندرون وهم يحتسون القهوة وتوالت النصائح ..
في اليوم السابع من حادثة اللقاء المباشر حيث أسمعتها القصيدة التي كتبتها فيها وهي أحد عشرات المقطوعات التي كتبتها .. لم أعد احتمل , بل لم يبق من العقل بقية أستطيع من خلاله ان اجمع شتاتي , وأحيانا أجد المبرر لنفسي بأن الإنسان مهما كان لن يستطع ان يتجرد من عواطفه وأحاسيسه ومشاعره .. ثم بدأت أحيك سيناريو دقيقا للإيقاع بها , وقد حفزني على ذلك التناقض الرهيب الذي تحمله لي فتقول لصديقتها : ( أنا اليوم ما شفت .. وينه اليوم جاء وإلا لا ) فتبادرها لماذا تسألين وأنت من رفضته بل وتجاهلته ..مرة أخرى تقول .. لا أريد ان أحدثه بل احن الى رؤيته فهو طيب ولطيف وشايف نفسه ..
في يوم لاحق , هاتفي النقال يرن , الرقم غريب , ألو نعم , ما عرفتني .. أجبت : للأسف لا ما أظنك عبد الحليم حافظ , آنا فلانه .. سأحدثك ان لم يكن لديك مانع ثم سأغلق التليفون , طبعا لدي مانع كيف ستحدثينني ثم تغلقين التلفون ثم أي ديمقراطية تلك تتحدثين أنت فقط وأية حقوق تطالبن بها .. ثم تحول النقاش تدريجيا الى معركة ولكن كانت معركة ممتعة أفردت بها ما أوتيت من ثقافة عل قلبها يلين ولكن انتهت المكالمة بجفاء اكثر وتنافر و و و , كم من المتناقضات تحملين , قررت وبملء الفم قرارا لا رجعة فيه سأقطع صلتي بالمكان .. وفعلت ذلك لثلاث ليال متتاليات ولكن بادرني الصديق باتصال .. وينك , خير , يمعود تعال المصرقعة لا ادري من أين أتى باللقب كل يوم تجي وترز وجهها بنفس المكان لا وتقعد بالساعات , معقولة , هذا اللي صار . في اليوم الرابع جئت مبكرا عل وعسى أحظى بنظرة ولكن لم تأت .. وأيقنت أنى منحوسا ندبت حظي يا لسوء طالعي .. أيتها الماكرة الساحرة ماذا فعلت بي , أي جريمة ترتكبين بحقي ..وبعد .. اليوم العشرون .. جاءت , جلست , لحظة قبل ان تغير مكان جلوسها ويصبح ظهرها باتجاهي .. ولكن كانت تحين منها التفاتة بين حين وآخر .. واستمر الوضع كما هو عليه تأتي فترتعد فرائصي لا أستطيع ان أتحكم بأطرافي فتبدأ أصابعي ترتجف.. بعد أسبوع شغلت نفسي عنها رغم وجودها وتشاغلت باللاشيء ثم أسير لأخرج شارد الذهن إذ يبادرني صوت ملائكي اعرفه جيدا , أستاذ , التفت , حلقت من على الأرض :هلا , ممكن أكلمك , طبعا . أستاذ أنا وصلت لمرحلة ان ما كلمتني أنت أنا بجي أكلمك ..
لم أصدق ما سمعته ورأيته .. بل لم يكن حلما أو ضربا من خيال ..
لا أدري لماذا أحببتها كل هذا الحب , ربما لأنها رفضتني بادئ ذي بدء وكسرت كبريائي وحطمت شموخي , وكنت اشفع لنفسي لأني مؤمن بمبدأ ان الحب ليس به كبرياء بل هو ضرب من الذل والخضوع , وارتضي لنفسي كل شيء تحت هذا المسمى واجد متعة ولذة فيما افعل , أنتي يا أنتي أي قدر ساقك الى , أين كنت ومن أين جئت ولماذا , أيتها الساكنة في منذ فجر ولادتي , آه لو تعلمين ماذا فعلت بي , وأنا أتركك بعد لقاء حميمي سالت حروفي خلاله دما , دخلت المستشفى , اقسم انك أدخلتني المستشفى وبكيت أمامك كثيرا ولم اكن اعرف الدموع من قبل . وخرجنا لأربع أيام متتالية , في اليوم الأول ذهبت بها الى مطعم راقي وقلت هيا انزلي فقالت أين نحن , فقلت لها الشقة طبعا ,أردت ان أرى ردة فعلها وقد بدت خائفة راجفة محبطة , هل يعقل يا أستاذ ان تكون هكذا , فنظرت إليها شزرا وزجرتها , وماذا يعني ان تركب فتاة مع رجل غريب هيا انزلي ودعي عنك .. فأرادت الهروب من السيارة فاستوقفتها , يا .. انظري الى اللافتة انه مطعم ومقهى كما ترين وهنا ترجلنا من السيارة وفي المطعم حيث اللقاء الأول المباشر , قالت لي بأنها تحس بالخيانة تجاه زوجها وأنها المرة الأولى وستكون الأخيرة ولا تدري ما الذي حدا بها ان تفعل ذلك , ثم عاهدتني ألا تتخلى عني وأنها ستراني كلما سنحت الفرصة . وتجولنا بأكثر من مكان وضحكنا مليا ضحكات صادقة .. كنا نحلق بأفق لم يرق إليه بشر .. لا نرى بالمكان سوانا , وعدنا وأغدقت عليها بالهدايا والعطايا دون منة ومنذ اليوم الأول .. وكانت تأخذ الأشياء على استحياء كما نقول مشتهي ومستحي , وهكذا مضت اجمل أربع أيام من عمري , في المطعم بدت خجلة حيث لا تعرف ان تمسك بالشوكة والسكين بحق كانت كذلك , كنت اقطع لها طبق الربيان وكانت تأكل بشراهة , لا تحدثني كثيرا عن خصوصياتها بل طلبت مني بإصرار وإلحاح ألا اسأل عنها , أرجوك لا تسأل عني أنا أمامك ألا يكفي ان أكون أمامك هو رجاء أعيده لك لا تسأل عني ولا تبحث خلفي أتمنى ان لا تتعرف على زوجي و و .. ووعدتها ألا افعل ولم افعل ولكن كان الفضول يدفعني لمعرفة حقائق باتت مغيبة عني حيث كانت تكذب على فيما يخصها أو أسرتها ان أتى الحديث عن ذلك فحين قالت بأن أبويها متوفيان بالأمس اليوم أخبرتني ان أباها اتصل و و و وان زوجها الذي لم يعطها ولو لمرة واحدة أي مبلغ ممكن ان نطلق عليه مبلغا ماديا بل وأنها تأتي كل يوم دون مصروف يكفي لتناول مشروب غازي .. وهكذا بحثت وعرفت بل أيقنت حيث شاهدت على شاشة جهاز الكمبيوتر حين فتشت عنها بأنها معدمة حقا معدمة فهي ابنة رجل متقاعد ولديها أربعة شقيقات يكبرنها سنا غير متزوجات بل هي الجعدة كما نقول أي خاتمة العقد وهي الوحيدة المتزوجة رغم ان اكبر شقيقاتها تعدت الخامسة والثلاثين ولديها كذلك اخوة عاطلون عن العمل أما السكن ففي حي لا يسكنه سوى الفقراء بل المعدمين أو ممن وصلت بهم الحال الى مستوى تحت خط الفقر , ولعمري ليس ذلك عيبا وكم تمنيت ان تعي ان الفقر لم يكن عيبا بل هروبها من واقعها هو العيب وان القناعة فعلا كنز لا يفنى ومن هذا المنطلق بدأت أشفق عليها أشبعها عطفا وحنانا وأحيانا اشعر بأنها لا تستوعب كلماتي و و أو تدرون ماذا فعلت .. بل ماذا حدث لن يتوقعه كائن كان ..
بعد عشرين يوما قضيتها بحال الله أعلم بها , جرّبت لوعة حرمان حقيقية ليس كما أسمع أو كما أرى أو كما أخط على الورق , أي لحظات تلك التي مرّت علي , ظهيرة السبت يرن هاتفي النقال , نفس التلفون التي اعتادت أن تحدثني منه , التلفون العمومي .. لا أدري لماذا لم تحدثني يوما من هاتفها النقال ربما لأنها قد بيّتت النية لأمر ما أ, لتجربة سابقة لا تريد أن تكررها , غالبا ما نهرب نحن من أخطاء الماضي , غدا أريد أن أراك سأحدثك .. سنتفاهم , عن ماذا يا سيدتي , كيف يرضيك أن تغيبي عنّي كل هذه المدة ثم تبادريني بمحادثة هاتفية مقتضبة دون سلام أو سؤال أية مخلوقة أنت .., قلت لك غدا وأغلقت الهاتف ..ولما جاء الغد .. لا أحد يعلم كيف مرّت اللحظات علي حتى جاء الغد , قدمت بعدما تأكدت من وجودي عبر اتصال هاتفي ..جاءت ويا ليتها لم تأت .. شككت بأنها ليست هي نفس الفتاة التي عرفتها وهمت بها حبا بل شيء ما أكبر من الحب لم يكتشف له مصطلح حتى هذه اللحظة كي يندرج تحت مسماه .. فجأة وخلال تلك الفترة الوجيزة بالنسبة لها والعسيرة بالنسبة لي تغيّرت بكل شيء حتى ملامحها .. وكي لا أنسى لثلاث ليال متتاليات قبل أن يكون هذا اللقاء حلمت بها نفس الحلم يتكرر معي كل ليلة بأنها سحليّة كلما اقتربت نحوي وكادت تصل إلى بضع خطوات مني تعود أدراجها مولية الأدبار .. ركبت معي السيارة بادرتني بألا أتحدث وأن أسمعها للنهاية , لطالما سمعتك ولبّيت رغباتك وكنت لك كالتلميذ يصغي باهتمام إلى معلمته ..